قال ناظم الأرجوزة أبو علي الحسين بن عبدالرحمن الرازي، ابن الفلكي الشهير عبدالرحمن بن عمر الرازي المشهور بالصوفي:
وبعد كوكبة قيطس تطلع كوكبة الجبّار وهي من أشهر الكوكبات في السماء، لشكلها المميز الذي يشبه صورة إنسان. وقال الراجز أنها تعرف بين العوام بالميزان، ولم يذكر ابن قتيبة أو المرزوقي هذا الإسم لهذه المجموعة، ولكن البروفيسور كونيتش أشار أن سليمان المهري ذكر أنها تسمّى الميزان في "العمدة المهرية". وبالرجوع إليها نجد أن سليمان المهري وهو معلم البحر المشهور قال "الجوزان تسمّى الميزان والنظم"، هكذا في المخطوطة "الجوزان" ولعل الناسخ أخطأ فوضع النون مكان الهمزة. وقرأت في الشبكة العنكبوتية هذا الكلام عن الميزان ولا أعلم مصدره: "الميزان نجمان يريان في اقصى الجنوب بعيد صلاة الصبح ، متوازيان احدهما اكثر لمعاناً من الاخر ، يؤقتون بهما لطول الليل والنهار ، فاذا دال الغربي منهما وهو اللامع اكثر كان الليل اطول من النهار ، واذا دال الشرقي كان النهار اطول ، فاذا صارا ككفتي الميزان فالليل والنهار سواء" ويمكن تطبيق ذلك على رجلي الجوزاء وعلى منكبيها، إذ يستويان تقريبا قبيل طلوع الشمس في أواخر سبتمبر وهو بداية أخذ الليل من النهار وبعدها يميلان جهة الجنوب الغربي شيئا فشيئا علامة على طول الليل وقصر النهار، والله أعلم، وربما وجدنا من يفيدنا أكثر عن هذين النجمين. والعرب أيضا تسمي نجوم النسر الطائر الثلاثة الميزان لأنها على استقامة واحدة.
وقال ربما سمّيت نجوم الجبّار بالجوزاء، وهذا هو المشهور عند العرب فنجوم الجبّار هي نجوم الجوزاء بالإضافة لبعض نجوم التوأمين ونجوم أخرى حولها. ونجوم الجبّار اكتسبت الشهرة من شكلها المميز ولمعان الكثير من نجومها.
وأخبرنا أخونا السبعتين أن الجبار يسمّى المشبح في منطقة نجران وما حولها وذلك لأن النجوم الثلاثة التي في خاصرة الجبار تشبه المشبحة وهي قلادة من أربعة سلوك مقترنة محبوكة بالخرز توضع على عنق الفتاة، فسمي بالمشبح كأنه لابس مشبحة.
ويوجد من بين نجوم هذه الكوكبة نجوم خفيّة صغيرة.
وقوله:
لم أتبين معناه وربما قصد كما ذكر الصوفي في كتابه أن نجوم الثريا التي هي النجم وهذه النجوم الثلاثة الخفيّة المجتمعة يعدّ كل منها بمثابة النجم الواحد. قال الصوفي عن الثريا "والعرب تسمّي التاسع والعشرين والثلاثين والحادي والثلاثين والثاني والثلاثين الثريا، وفي خلالها كوكبان أو ثلاثة قد صارت مع الأربعة مثل عنقود العنب متقاربة مجتمعة، ولذلك جعلوها بمنزلة كوكب واحد وسمّوها النجم وسمّوها أيضاً نجوم الثريا"، وقال عن هذه الثلاثة " والأول من كواكبه [أي كواكب الجبّار] هو السحابي الذي على موضع الرأس، وهو ثلاثة كواكب صغار متقاربة على مثلث صغير، قام بطليموس وسط المثلث مقام كوكب". ومعنى كلامه أن العرب جعلت نجوم الثريا بمثابة نجم واحد وسمّته النجم وأن بطليموس عامل الثلاثة نجوم من نجوم الهقعة بمثابة النجم الواحد.
ثم أخبرنا الراجز أن من النجوم الصغيرة ثلاثة نجوم متقاربة جداً. أسمها عند العرب الهَقْعَة. وأخبرنا أنه لايوجد لشكلها شبيهاً في السماء، والهقعة تطلع بعد طلوع الأنجم التي تسمّى الذوائب.
والهقعة هي دائرة تتكون من نمو الشعر في اتجاهات مختلفة تكون في صدر الفرس أو على جانب الصدر، ونجوم الهقعة تسمّى أيضاً الأثافي تشبيهاً لها بالحصى الثلاثة التي توضع تحت القدر عند الطبخ على النار. ومن طريف ماروي أن رجلاً قال لابن عباس رضي الله عنه أنه طلّق امرأته عدد نجوم السماء، فقال له ابن عبّاس طلّق ألفاً يكفيك منها هقعة الجوزاء. لأن هقعة الجوزاء ثلاثة نجوم.
والهقعة هي المنزل الخامس من منازل القمر. ولعلنا لاحظنا أن بعض منازل القمر تقع خارج كوكبات البروج مثل الهقعة والفرغ المقدم والفرغ المؤخر والرشا.
والهقعة تتبع نجوما على شكل منظوم مقوس، تسمّيها العرب تاج الجوزاء وتسمّيها ذوائب الجوزاء. وتجد هذه النجوم بالقرب من النجم اللامع الذي يعرف بالفنيق. والفنيق اسم من أسماء الدبران. وربما إذا اطلعت على بعض المخطوطات أو أو المطبوع تجد بدلاً من الفنيق العيوق، والعيوق أبعد من الدبران عن الذوائب ولذلك الأصح حسب ما ورد في مخطوطة برنستون وهو الفنيق.
وبعد طلوع الذوائب يطلع نجم الناجذ ويسمّى أيضا بالمرزم، ومن عادة العرب أن تسمّي النجم الذي يطلع بين يدي نجم لامع بالمرزم. ولذلك هنا ربما كان هذا النجم مرزم منكب الجوزاء وهو النجم الأحمر العظيم في هذه الكوكبة لأنه يسبق طلوعه. ومثل ذلك الشعريان فبقرب اليمانية نجم صغير يسمّى مرزم العبور وبقرب الشامية نجم صغير يسمّى مرزم الغميصاء. وذكر الصوفي أن النجم النيّر على قدم الجوزاء يسمّى رجل الجوزاء وراعي الجوزاء، ولكن ذكر أيضاً أنه روي أن الناجذ يطلق على رجل الجوزاء وأن راعي الجوزاء يطلق على النيّر الأحمر العظيم الذي يسمّى منكب الجوزاء.
لم يرد في الأرجوزة شيء عن منكب الجوزاء على الرغم من كونه ألمع نجوم هذه الكوكبة ومن ألمع النجوم في السماء، ويسمّى أيضاً يد الجوزاء وذكر الصوفي أيضاً أنه ربما سمّي براعي الجوزاء حسب ماروي له.
وتحت الناجذ ثلاثة نجوم لامعة متسقة في سطر هي من صورة الجبار على حزامه. أسماؤها هي النظم وذلك لانتظامها في سطر وربما سمّيت النطاق والظاهر أن هذا الاسم يرجع للصورة اليونانية لأنها على حزام الجبّار والنطاق هو الحزام وكذلك اسم المنطقة التي معناها الحزام أيضاً. وقال أن العرب ربما سمّتها بالفقار أي فقار الجوزاء وذلك أن هذه النجوم تقع عند العرب من صورة الجوزاء على ظهرها. ويتبع فقار الجوزاء ثلاثة كواكب أخرى متسقة أيضا في سطر ولكنها منحدرة.
ويتبع الفقار نجوم منحدرة في منتظمة في نسق ونيِّرة، وهي سيف الجبّار في الصورة. اسم هذه النجوم اللعط، واللعط هو خط يضعه الأفارقة على الوجه، وربما كان هو نفس الذي يضعه بعض أهل أفريقيا في الوقت الحاضر على الخدين. وأما البيت الأخير فربما كان إضافة لاحقة من غير الناظم الأصلي، ويخبرنا أن اسم هذه النجوم هو الجواري، وهذا هو الوارد عند المرزوقي، والوارد عند ابن قتيبة أنها تسمى الجوازي.
الجوزاء عند العرب تشمل كوكبة الجبار وبعض كوكبة النهر وهي نجوم كرسي الجوزاء المقدم، ونجوم كوكبة الأرنب التي تسمّى كرسي الجوزاء المؤخر، وقوس الجوزاء الذي هو جزء من كوكبة التوأمين.
وردت الجوزاء في الشعر كثيراً جداً. ومن أهم الأغراض التي وردت فيها الدلالة على شدة الحر، والكرم في هذا الوقت لايأتي إلا ممن بلغ في الكرم المبلغ. ووردت في التشبيه بالحسن والجمال، كما وردت للدلالة على الرفعة والعلو.
قال الشاعر يفخر بإسداء المعروف حين طلوع الجوزاء:
وقال الآخر يشبه الليل والجوزاء كأنه زنجية تقلدت لؤلؤا:
ومن الغزل قول الشاعر يشبه معشوقته وحليها بالبدر ونجوم الجوزاء:
ومثله قول الآخر:
وقال الآخر يشبّه أقحوان الرياض وماءها بنجوم الجوزاء والمجرّة:
وفي الفخر:
وفي ذكر شدة الحر حين طلوعها:
لجرير
والنابغة الشيباني
وهدبة بن الخشرم
ومن الشعر العامي:
للشريف بركات رحمه الله:
وهي من القصيدة التي مطلعها:
ومما قال العوني رحمه الله، وأورد بعض الأبيات لبيان مناسبة ذكر الجوزاء، وهي قصيدة في ديوانه من ضمن مجموعة الأزهار النادية ونشرها أحد الفضلاء على الشبكة:
من كتاب الشيخ العبودي "معجم الأنواء والفصول" وتشير كلها إلى الحر وقت طلوع الجوزاء
الخلاوي رحمه الله
وله أيضاً