قال ناظم الأرجوزة أبو علي الحسين بن عبدالرحمن الرازي، ابن الفلكي الشهير عبدالرحمن بن عمر الرازي المشهور بالصوفي:
ويتبع الأرنب كوكبة الكلب الأكبر، ونجومه من النجوم النيِّرة، ومنها الشعرى اليمانية ألمع نجوم السماء. وطلوع هذه النجوم من المشرق يكون بعد طلوع الجوزاء.
وأحد نجوم هذه الكوكبة هو نجم يسبق نجوم كوكبة السفينة في الطلوع، وكوكبة السفينة هي التي فيها سهيل اليماني. وهذا النجم اتخذه بعض العرب في الجاهلية إلها معبودا. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد وغيرهم: هو هذا النجم الوقاد الذي يقال له مرزم الجوزاء، كانت طائفة من العرب يعبدونه.
هذا النجم باهر النور، واسمه عند العرب الشعرى اليمانية والشعرى العبور، وسمّيت الشعرى باليمانية تمييزاً لها عن الشعرى الأخرى التي تقع إلى الشمال منها وتسمّى الشامية، ولأن مطلعها جنوب من الشرق. وسمّيت العبور لأن العرب زعمت أن الشعريين أختان لسهيل، وأن المجرة نهر عبرته اليمانية إلى سهيل فسمّيت العبور، وبقيت الأخرى على ضفته الشمالية. روى ابن قتيبة أن الأعراب تقول في أحاديثها "أن سهيلاً والشعريين كانت مجتمعة، فانحدر سهيل فصار يمانياً وتبعته العبور، فعبرت المجرّة، ووأقامت الغميصاء، فبكت لفقد سهيل حتى غمصت عينها، فهي أقل نوراً من العبور".
قال ذو الرمة يصفها حين طلوعها أول الليل في الشتاء:
وقال الفرزدق:
والظاهر أن المعنى أن الشعرى حين طلوعها فجراً كأنها توقد نارا من شدة الحر، فتمحل الأرض، وأضحى السحاب يتقشع كما يتقشع الجلد.
والشعرى العبور تتبع في الطلوع نجماً يقع على كف الكلب في صورة الكوكبة، واسم هذا النجم المرزم ويسمّى أيضاً مرزم العبور لتمييزه عن مرزم الغميصاء. وذكر الصوفي أن من عادة العرب أن تسمي النجم القريب من نجم ساطع ويسبقه في الطلوع بالمرزم، وهذا ينطبق على مرزم العبور الذي يسبق الشعرى العبور، وعلى مرزم الغميصاء الذي يسبق الشعرى الشامية، وعلى الناجذ في كوكبة الجبّار وهو يسمّى أيضاً المرزم ويسبق نجم منكب الجوزاء الساطع في الطلوع.
ويتبع الشعرى عدة نجوم مشرقة تسمّيها العرب بالعذارى وتقع على الرجل والذيل من صورة الكلب الأكبر، وتسمّى أيضا العذرة، والعذرة هي خصلة الشعر ولها معانٍ أخرى كثيرة. قال عنها ابن قتيبة "والعُذرة، عذرة الجوزاء، خمسة كواكب بيض أسفل من الشعرى العبور في المجرّة. ويقال لها العذارى. [...] تقول العرب إذا طلعت العُذرة لم يبق بعُمان بسرة، إلا رطبة أو تمرة. عُمان شديدة الحر، فإذا أبسر النخل بالبصرة صُرِم بعُمَان" انتهى كلام ابن قتيبة.
ويتبع العذارى نجومٌ نيِّرة، وهي خارج صورة الكلب الأكبر. اسم هذه النجوم الفرود. وهذا الاسم ورد عند ابن قتيبة والمرزوقي مقروناً بنجم حضارِ، قال ابن قتيبة "والفرود كواكب صغار مع حضارِ. قال الشاعر:
وأما عند الصوفي فقد ورد باسم القرود وذلك كما في أقدم مخطوطات الكتاب وربما كان الاسم مصحفاً من الفرود.
ولهذه النجوم اسمٌ آخر هو الأغربة، والأغربة جمع غراب.
ولقد ذُكِر أن نجمي حضار والوزن هما النجمان النيِّران في هذه المجموعة ويسمّيان المحلفان والمحنثان، ولكن الصوفي يرى خلاف ذلك لأنه يقول أن المحلفان يشبّهان بسهيل وهذان النجمان مجراهما في السماء أرفع من سهيل ولمعانهما أقل بكثير فلا يمكن أن يخطيء الشخص فيظن أن أحدهما سهيل.